لماذا عادت التهديدات الايرانية بإغلاق مضيق هرمز..؟
يمنات
لا يُخفِي جون كيري، وزير خارجيّة أمريكا الأسبَق “احتقارُه” لإدارة الرئيس دونالد ترامب وسِياساتِها، سَواء تِلك المُتعلِّقة بالانسحاب من الاتِّفاق النوويّ الإيرانيّ، أو باتِّفاقيّة باريس بشأنِ المناخ، ولا يتَردَّد بالمُجاهرةِ بآرائِه المُعارِضة هَذهِ في العَلن، الأمر الذي أدَّى إلى تَحشيدِ هَذهِ الإدارة (ترامب) كُل أسلِحَتها الإعلاميّة ضِدّه.
القَشَّة التي قَصَمَت ظَهر البَعير الترامبي تَمثَّلت في اعترافِ كيري بأنّه أجرَى أربعةَ لِقاءاتٍ مع محمد جواد ظريف، وزير الخارجيّة الإيرانيّ الحاليّ مُنذ مُغادرته مَنصِبه، الأمر الذي أثار غضب الرئيس ترامب ووزير خارجيّته مايك بومبيو، ونَشَر ترامب تَغريدةً على حِسابِه في “التويتر” وَصَف فيها هَذهِ اللِّقاءات بأنّها غير قانونيّة وتَسعَى لتَقويضِ سِياسَة الإدارة، خاصَّةً عِندما “نَصَحَ” الإيرانيين بالصَّبرِ والانتظارِ حتّى نِهايَةِ فَترَتِها.
المُعلِّقون المُحافِظون من أنصارِ ترامب ذهبوا إلى ما هو أبعَد من ذلك عندما اتَّهموا كيري بالخِيانة وطالبوا بحَبسِه، أمّا بومبيو فقال أنّه، أي كيري، يُجرِي مُحادثاتٍ مع الدَّولةِ الرئيسيّة الدَّاعِمةِ للإرهابِ في العالَم.
الوزير السَّابِق كيري لم تُرهِبه هَذهِ الحَملة، وردَّ باتِّهامِ الرئيس ترامب بالكَذِب على الأمريكيين وخِداعِهم في قضايا عَديدةٍ أبرزها تِلك المُتعلِّقة باتفاقيّة المَناخ التي انسحَب مِنها على غِرار ما فَعَل باتِّفاقِ إيرانَ النوويّ، وقال لدينا رَئيسٌ يَكذِب، ووصف انسحابَه من الاتِّفاق النوويّ بأنّه واحِد من أكبَرِ الأخطاءِ اللامَسؤولة يَرتَكِبها الرئيس الأمريكيّ في التَّاريخ.
الوزير كيري لم يَرتكِب أيَّ مُخالفة دُستوريّة عِندما التقى بالوَزير الإيرانيّ ظريف، خاصَّةً أنّه أبلغ خَلَفه بومبيو بِما حصل في هذا اللِّقاء، ولكن هَذهِ الإدارة الأمريكيّة المَعزولة والمَكروهة من قِبَل قِطاعٍ عَريضٍ مِن الأمريكيين تَفتَعِل المَعارِك، وتقود الوِلايات المتحدة إلى حُروب اقتصاديّة وسِياسيّة وربّما عَسكريّة، ستَؤدِّي إلى انهيارِها، وبالتَّالي زَعامَتها للعالم.
وزير الخارجيّة الأسبَق كيري التقَى بالعَديد من نُظرائِه الأُوروبيين، بِما في ذلك الدُّوَل التي هاجَمها ترامب وفَرَضَ عليها عُقوبات اقتصاديّة، ولم يَجِد ترامب أيَّ ضَرَرٍ في ذلك، ولكن لقاءه بالسيِّد ظريف مَسألةٌ أُخرَى، لأنّ إيران تُشَكِّل تَهديدًا لإسرائيل، ولأنّ الإدارة الأمريكيّة الحاليّة تخضع للإملاءات الإسرائيليّة في تَعاطِيها مع دُوَل العالم.
رؤوساء ووزراء خارجيّة أمريكيّون لَعِبوا أدوارًا دبلوماسيّة، سريّة وعلنيّة، بعد خُروجِهم من الحُكم من أجل حَل خلافاتٍ سياسيّة بين دُوَلٍ تَقِف في الخَندقِ الآخَر لبِلادِهم، ونَجَحوا في مَهامِهم، ويَكفِي الإشارة إلى إنجازات الرئيس الأسبق جيمي كارتر في هذا الإطار.
ترامب يَجُر الوِلايات المتحدة إلى صِراعاتٍ دوليّةٍ ربّما حُروبٍ عالميّةٍ سواء في إدلب السوريّة، أو مع طِهران الإيرانيّة، وعِندما يُهَدِّد السيِّد ظريف في حَديثٍ أجرَته مَعه مجلة “دير شبيغل” الألمانيّة ونَشرَته اليوم السبت بأنّ مَنع واشنطن لإيران من تصدير نِفطِها سيُؤدِّي إلى ما هو أكبَر من إغلاقِ مَضيق هرمز، بِما في ذلك استئناف تخصيب اليورانيوم بمُعدَّلاتٍ عالِية، فإنّ هَذهِ التَّهديدات يَجِب أخذها بكُل جِديّة.
لا جِدال بأنّ أمريكا القُوّة الأعظَم في التَّاريخ لا يُمكِن أن تُقارَن بإيران من زاوِية القُدُرات العسكريّة، ولكنّها أي إيران، جُزءٌ من مِحوَرٍ استراتيجيٍّ إقليميٍّ، أي أنّها ليسَت عِراق صدام حسين الذي كانَ خاضِعًا لحِصارٍ خانِقٍ شارَكت فيه دُوَل عربيّة للأسف، وإذا نجحت الإدارة الأمريكيّة في حَظْرِ النِّفط الإيرانيّ في تشرين الثاني (نوفمبر) المُقبِل، فإنّنا لا نَستغرِب أن تُؤدِّي هَذهِ الخَطوَة إلى إشعالِ فَتيلِ الحَرب، فقَطع النِّفط مِن قَطعِ الأعناق، وإقدام إيران على أيِّ رَدٍّ على هذا العَمل العِدائيّ سَيكون مُبرَّرًا.
التَّواصُل بين الوزير السَّابِق كيري ونَظيره الإيرانيّ ظريف ربّما يَمنَع هذا الخَطر، ولذلك يَستحِق الإشادة والدَّعم، لا التَّشويه والاتِّهام بالخِيانة، ولكنّنا نَتحدَّث عن إدارةٍ غير أمريكيّةٍ، وإنّما إسرائيليّةٍ، تُوَظِّف البيت الأبيض في خِدمَة الأهداف العُدوانيّة الإسرائيليّة، وهذا ما لم يَقُله كيري عَلنًا، ولكنّه ربّما يقوله في “يَومٍ ما” بَعدَ أن يَطفَح كَيلُه.
المصدر: افتتاحية رأي اليوم
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا
لتكن أول من يعرف الخبر .. اشترك في خدمة “المستقلة موبايل“، لمشتركي “يمن موبايل” ارسل رقم (1) إلى 2520، ولمشتركي “ام تي إن” ارسل رقم (1) إلى 1416.